علاءالدين محمد الحاج
عدد المساهمات : 3 نقاط : 15 تاريخ التسجيل : 10/11/2011
| موضوع: الكلمة طلقة الخميس ديسمبر 15, 2011 10:48 am | |
| بعد حرب يونيو 1967م جمعت إسرائيل أحذية الجنود المصريين حتى من الجرحى وصنعت منها تلاً كبيراً ثم وضعتها في إحدى المدن المهمة، والحدث كان ذا تأثير نفسي أكبر من سيل الكلمات التي أنفقتها الحكومة المصرية في خطابها التعبوي ضد إسرائيل الذي قادته إذاعة «صوت العرب» بنهج إعلامي ينضح بالهياج العاطفي، في حين أن إسرائيل اختزلت بمكرها الحرب الدعائية في كوم من الأحذية. وإسرائيل دائماً ما تجنح في خطابها الإعلامي إلى أسلوب الصورة المرئية لإحداث مزيدٍ من التأثير العاطفي للتغطية على جرائمها في الأرض المحتلة، بل حتى عندما فجر الفلسطينيون انتفاضة الحجارة التي شارك فيها حتى الأطفال والصبية الصغار، والتي أحدثت ردود فعل دولية، حيث أظهرت تعاطفاً مع هذه الحرب غير المتكافئة التي يستخدم فيها الإسرائيليون العنف المفرط من الضرب المبرح بالهراوات والطلقات البلاستيكية وأحياناً الرصاص الحي، بيد أن إسرائيل كانت تحرص دائماً على مضايقة المراسلين الأجانب حتى لا ينقلوا تلك التجاوزات، لكن مع ذلك استطاعوا أن ينقلوا انطباعاتهم عن أرض المواجهة، وإن كان بعضهم غير محايد، فاضطرت إسرائيل إلى إصدار شريط يبين قيام الفلسطينيين بتدريب أبنائهم على رمي الحجر والمقلاع، بينما أبرزت بالمقابل صورة الأطفال الإسرائيليين مسالمين يلعبون في براءة، والقصد أن إسرائيل لا تزج بالأطفال الأبرياء في أتون المواجهات الخطرة، وأن أطفالها يعيشون حياتهم العادية ويتمتعون ببراءتهم، لكن بالطبع الإعلام الفلسطيني أو العربي لا يستطيع أن يوصل صوته ويدحض هذه الرسالة المضللة. لكن في بعض الأحيان تكون الحرب الإعلامية ذريعة لشن الحرب ضد دولة ما، فعندما أرادت الولايات المتحدة والغرب شن الحرب على العراق روَّجت الحكومة الأمريكية وأجهزة الإعلام الصهيونية أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، حتى أن الرأي العام هناك شعر بالذعر، بل بدا متحمساً لخوض تلك الحرب بأسرع ما يمكن، ثم كشفت الحقائق بعد الاحتلال كذب هذه التبريرات، لكن الإعلامين الغربي والصهيوني حاولا التغطية على ذلك وركزا في خطابهما للشعب العراقي على أنه تخلص من نظام قمعي يساند الإرهاب، وأن قوات التحالف هي التي أنقذته لتعيد إلى الشعب العراقي حريته وكرامته التي أهدرها النظام المخلوع. لكن المفارقة أيضاً أن النظام العراقي عندما خطط في عام 1990م لغزو الكويت روَّج لحملة إعلامية تتهم الكويت بأنها تسرق النفط العراقي عبر نظام الحفر المائل، وقال الرئيس العراقي صدام حسين عبارته الشهيرة «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»، مؤكداً أن الكويت جزء من العراق وتم اقتطاعها بواسطة الامبريالية الغربية. وفي لبنان برع حزب الله في استعمال الصورة في حربه الإعلامية ضد إسرائيل، ويقول أحد مصوري الحزب إنهم بسبب لقطة مصورة قامت أربع أمهات إسرائيليات ُقُتل أبناؤهن في جنوب لبنان بجمع الأمهات الإسرائيليات وقدن حملة تدعو لانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان. وقال: «لقد استخدمنا أسلوب اللقطات التلفزيونية السريعة التي تعرض بعض المشاهد بطريقة فنية معينة تظهر انهيار الجنود الإسرائيليين»، وقال إنهم عرضوا أيضاً صورة الطفل الفلسطيني الذي يلاحق جندياً إسرائيلياً مدججاً بالسلاح، مشيراً إلى أن هناك خبراء ومفكرين وقياديين كانوا خلف هذه الصور ويدرسون الطرق المناسبة لاستخدامها ضد العدو. لكن يمكن أن تقود الحملات الإعلامية القوية المنظمة المتكئة على العمل، إلى تفكيك دولة أو المساهمة في تغيير نظامها كما فعلت الولايات المتحدة والغرب إبَّان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق، حتى تمكنت من الإسهام في تفكيكه لاحقاً عندما أوحت للشعب الروسي بأن النظام الليبرالي بديل للشيوعية، وهو المخرج من القهر وكبت الحريات، ومفتاح للحرية الشخصية التي كانت مغيَّبة. ولأهمية الإعلام في تحقيق المصالح الاستراتيجية للدول أنشأت الولايات في عهد بوش الأب مكتباً سمته «مكتب التأثير الاستراتيجي»، وخصصت له ميزانية ضخمة. وفي أفغانستان اعتمدت الولايات المتحدة على الإذاعة الموجهة باللهجات المحلية لقيادة الحملة ضد طالبان، كما استخدمت سلاح المنشورات. وفي السودان كانت الحملة الأمريكية والغربية تجاه أزمة دارفور قد مهدت لفرض العقوبات والاستمرار فيها، كما مهدت أيضاً لدخول المحكمة الجنائية ساحة الأزمة حتى طالت رئيس الجمهورية، وكانت منظمة إنقاذ دارفور اليهودية قد قامت بحملة دعائية ضخمة مدفوعة القيمة عبر أجهزة الإعلام الغربية المختلفة، داعية للتدخل العسكري في دارفور. أخيراً الكلمة والصورة يمكن أن تكون أخطر من القنبلة، لكن تفكيكها لا يتم الإ بخبراء المتفجرات بالطبع، لكن بنفس السلاح، شريطة أن يكون أكثر ذكاءً ومكراً وبعداً عن الهتافية و «الزعيق».
| |
|